ads

ads

احدث المواضيع

العنايه بالبشره[Oneright]

طبيب المجله[Oneleft]

معلومات صحية

مطبخ المجلة


" قرية الديس " التابعة لدائرة أولاد ابراهيم بنواحي بوسعادة ، بلدة طيّبة أخرجت نباتها طيبًا ، فمنها خرج الشيخ العالم العارف بالله سيدي إبراهيم الغول السلاّمي ، ومنها خرج والده العلاّمة الشيخ بن عروس ، ومنها  خرج الفقيه الأديب العالم الشيخ عبدالرحمن الديسي ، ومنها خرج الشيخ محمد المازري ، ومنها خرج الشيخ الصديق الديسي ، ومنها خرج علاّمة الجزائر الشيخ أبوالقاسم الحفناوي مفتي المالكية بالديار الجزائرية ... ارتحل الشيخ أبو القاسم الحفناوي إلى الجزائر العاصمة سنة 1883 وهنالك تولى التدريس في المدرسة الدولية التي كان يدريها الشيخ حسن بريهمات ، ثم انضم إلى إدارة تحرير جريدة المبشر ليشغل مكان المرحوم الشيخ أحمد البديوي ، فأمضى من عمره ثلاثة وأربعين سنة في العمل الصحفي ، وكان الشيخ الحفناوي رحمه الله قدَّ تعلم اللغة الفرنسية من المستشرق الفرنسي المشهور " أرنو " فتمكن من إجادتها وإتقانها تمكنا فاق به كل أترابه وأقرانه وأهل زمانه ، وبهذه اللغة اطَّلَع الشيخ الحفناوي على علومٍ ومعارفَ كثيرة فتحت مغاليق عقله على مستجدات عصره وتقدم الأمم الأخرى في السياسة والإقتصاد والنظافة والنظام واحترام القانون وغير ذلك مما حققه الغرب ... وعندما اشتغل " أرنو " بترجمة كتاب " سعود المطالع " وهو كتاب في التصوف ، ووجد صعوبات جمّة في ترجمة بعض النصوص الصوفية ، كان الشيخ الحفناوي يساعده مساعدة الخبير المتضلع في الترجمة العربية الصحيحة الفصيحة التي لا مطعن فيها لطاعن ولا مغمز فيها لغامز ، وقد طُبع الكتاب باللغتين العربية والفرنسية سنة 1889 وهو كتاب جليل جميل في تخصصه ... كان الشيخ الحفناوي شديد التعلق بالتقنيات الحديثة ، فكان منزله أول بيت جزائري يدخله الفونو غراف وهو جهاز يشبه الراديو إلى حد ما ، ويذكر تلميذه الشيخ عبدالرحمن الجيلالي في الجزء الرابع من كتابه تاريخ الجزائر العام ، [ أن الشيخ الحفناوي كان مغرمًا معجبًا بما جاء به فطاحل التصوف الإسلامي ، وأعيان علمائه ، من آراءه الغريبة ، وأفكاره الفلسفية العجيبة ، فكان يشرحها لتلامذته شرحًا دقيقًا حسب ما تبلغه مداركهم وما تصل إليه أفهامهم  ... منها آراء بن عربي في فتوحاته ، والدباغ في الإبريز ، فكان له ذوق ممتاز وخاص به في فهم كلامهما ] ، وفي عام 1897 انتقل الشيخ الحفناوي إلى تولي الإمامة والخطابة والتدريس في الجامع الكبير بالجزائر العاصمة فكان يدرس به الفقة والحديث والنحو والصرف وعلم المنطق والحساب والفلك ... ولمّا توفي المفتي المالكي الشيخ محمد أرزقي بن ناصر التفتت الأنظار إلى الشيخ أبوالقاسم الحفناوي ليتولى هذا المنصب الرفيع فتجافى عنه لكبر شأن الفتوى وعظيم خطرها على السياسة والدين والإدارة والحياة ، غير أن أعلام زمانه ، وعلماء ذلك العصر ، أجمعوا على تكليفه بهذه المسؤولية فقبلها على مضض ، وكان ذلك سنة 1925 ، وتناقلت الجرائد هذا الخبر بالبشرى ، وتلقى الشيخ التهاني والتبريكات ، بل قصائد المدح والثناء التي أذكر منها قصيدة للشيخ أحمد بن الحسين البوزيدي وهو أحد علماء الأزهر الأجلاء ، نشرتها جريدة النجاح في عددها الصادر يوم الجمعة 10 جويلية 1925 بقسنطينة ، ومما ورد في القصيدة :
إن بالغ الناس في الإطراء أو خطبو   فما يفي بعلاك المدح والخُطب
ترنو العلى لك من مجد ومن شغف    فأنت أنت فتاها الحاذق الأرب
بَصُرتُ فيك من الحسنى بأربعة     الحزم والعزم والإنصاف والأدب
فلم نجدك طروبا عند معضلة     ولم تنل منك أخطار ولا ريب
ولم تزل عون مضطر تحيق به   مستهدفات الأذى والظلم والنوب
وقد تبرجت القصيدة في كل بيت من بيوتها الثلاثة والأربعين بمعانيها الرائقة الفائقة كما تتبرج الغيد الأمايد بالحُسن والصباحة والملاحة والجمال والدلال... وكان الشيخ الحفناوي صاحب همّة عالية ، يَجمَعُ بين مهامه الثلاث " تدريس العلوم المختلفة في الجامع الكبير ، والإفتاء في ما يعرض عليه بدار الفتوى ، وعمله في إدارة تحرير جريدة المبشر " دون أن يقصر في أي واحدة منها ... وفي سنة 1903 كان الشيخ الحفناوي أول عالم جزائري يتعرف على الشيخ الإمام محمد عبده رائد النهضة الإصلاحية في مصر ، عندما التقيا في الباخرة القادمة من فرنسا إلى الجزائر ، ثم توالت لقاءتهما ، وتأثر كل منهما بالآخر ، على الرغم من أن عيون الإحتلال الفرنسي كانت ترصد حركات وسكنات الشيخ محمد عبده وتضبط وتقيد اسم كل من يتقرب منه أو يتعرف عليه ، خاصة أعيان العلماء وسادة القوم في ذلك العصر ... ألفَّ الشيخ أبو القاسم الحفناوي كتابه الشهير " تعريف الخلف برجال السلف " وهو من أهم المراجع التاريخية التي يُعتمد عليها في سير وتراجم 376 عالمًا من علماء الجزائر و رجالها العظام ، ولو لا هذا الجهد العلمي الكبير لما وصلنا شيء من النبأ العظيم لسيرة وشمائل عظماء الجزائر وجهابدتها في العلوم والفنون العقلية والنقلية المختلفة ، الكتاب يتألف من جزئين في مجلدين اثنين ،  وقد طُبع الجزء الأول منه في الجزائر العاصمة سنة 1906 ، و طُبع الجزئين معًا سنة 1909 ، ومما يذكره عنه تلميذه الشيخ عبدالرحمن الجيلالي ، أنه كتب كتابه هذا على طهارة تامة وكان يقلل من شرب الماء كي لا يضطر إلى القيام والقعود لتجديد الوضوء ، من أجل إدارة الوقت واقتصاده واستثماره في تدوين أكبر قدر مما يمكن تدوينه عن علماء ومشايخ الجزائر إبّان فترة الحكم العثماني ، ولأهمية هذا الكتاب ، طُبع مؤخرًا في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة ...  وللشيخ الحفناوي كتاب آخر عنوانه " الخبر المنتشر في حفظ صحة البشر " ترجمه من الفرنسية إلى العربية عن الطبيب الفرنسي " دركل  " وقد طُبع في الجزائر العاصمة سنة 1908 ، وله كتاب في تربية النحل واستثمار إنتاج العسل عنوانه " القول الصحيح في منافع التلقيح " مترجم عن كتاب ألفه الحكيم الفرنسي ريسر ، وطُبع الكتاب في الجزائر العاصمة سنة 1908 ، وله كتاب " المستطاب في أقسام الخطاب " غير مطبوع ، وكتاب " غوص الفكر في الحروف والمعاني " غير مطبوع أيضًا ، وله مقالات في الأدب وعلم الإجتماع والدين والسياسة والإقتصاد والتقنيات الحديثة ... نشرتها جرائد المبشر وكوكب إفريقيا ، وكلها مقالات ماتعة رائعة مكتوبة بأسلوب أدبي رائق شائق ، لكن مع الأسف لا نجد لها أثرًا في كراسات أبنائنا ولا في المناهج " المغبرطة " التي طَمست كل ما له صلة بتراثنا وعلمائنا وعظمائنا ... تنقل الشيخ الحفناوي بين زاويا العلم العاملة في عصره آنذاك وجلس على حصيرها وقرأ في ألواحها وكتب بيراعات قصبها ، ونال من بركات شيوخها علومًا جمّة ، ومعارف مهمة  ، فأخذ علوم العربية في زاوية طولقة ، وأخذ علم الحديث وقرأ التفسير في الزاوية القاسمية بالهامل ، وأخذ الفقه وعلم الفلك والرياضيات في زاوية الشيخ بن أبي داوود الواقعة في قرية تاسلنت ، والتي يقول عنها الشيخ الحفناوي في كتابه " تعريف الخلف برجال السلف " [ بأنها كانت أم الزوايا في القرون الثلاثة الأخيرة ، ومنها انتشر الفقه والنحو والفلك والحساب في بلاد زواوة وما ولاها من قسنطينة شرقا والأغواط جنوبًا والمدية غربًا ]  ... ولد الشيخ أبو القاسم الحفناوي بقرية الديس سنة 1852م  ، وأمضى جُلَّ حياته في الجزائر العاصمة ، فكان فقيهًا نبيهًا ومرجعًا للفتوى في كل عويصة من نوازل عصره ، وكان صحفيًا ذكيًا ، وأديبًا ألمعيًا ، وشاعرًا فحلاً ، وخطيبًا مصقعًا ، وكاتبًا متمكنًا ، وباحثًا مجتهدًا في علوم شتى ،  ومعارف كثيرة ، لا يفتر جهده العلمي بليل أو نهار إلى أن أقعده المرض ، وأضعفته الشيخوخة ، وأوهنته السنين ... ولمّا أحس بدنو أجله رجع إلى مسقط رأسه في قرية الديس ، وبقي يعالج آلام المرض أيامًا إلى أن توفاه الأجل سنة 1943 عن عمر ناهز التسعين عامًا ، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضى والرضوان وأن يجعل مقامه في الفردوس الأعلى في جوار النبي المصطفى ، والرسول المجتبى ، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم

About الجزائر الآن

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

Top