ads

ads

احدث المواضيع

العنايه بالبشره[Oneright]

طبيب المجله[Oneleft]

معلومات صحية

مطبخ المجلة



الزاوية القاسمية في الهامل هي واحدة من مؤسسات العلم ، وقلاع المعرفة ، وحصون الهوية الوطنية في الجزائر ... الزاوية القاسمية أخرجت نباتها طيبًا بإذن ربها ، فقد تخرج فيها علماء أعلام ومشايخ كرام ، ومن بينهم السيدة الفاضلة العالمة زينب ابنة الشيخ الإمام محمد بن أبي القاسم الهاملي ، إبنة أبيها الوحيدة ... تولت مشيخة الزاوية بعدما نهلت من علوم والدها رشفًا وغرفًا حتى امتلئت وارتوت ، وسارت على نهجه وطريقته وسيرته الأولى فأطعمت القانع والمُعْتَرْ ، وأوت ونصرت كل من يحتاج الإيواء والنصرة ، واجتهدت في عَقْدِحِلَقِ الذكر والدرس والمدارسة بانتظام ، وسعت إلى فك النزاعات وإصلاح ذات البين ، وكانت تستقبل كل يوم وفود الزائرين للزاوية ، وواصلت بناء المسجد القاسمي بفن معماري إسلامي يسر النّاظرين ، وكان والدها قد توفي عن المشروع وحيطانه لم تعلو أكثر من مترين ... وأشرفت على زوايا الطرق الرحمانية كلها ، وزادت من عددها وانتشارها ... أما إذا أسدل الليل سدوله ، وأرخى ستوره ، فكانت السيدة زينب ـ رحمها الله ـ  تُسلم نفسها بين دفتي كتاب من كتب مكتبتها الزاهرة العامرة التي تُعتبر من نفائس ما ورثته عن والدها ، فَيَمْضِي من الليل ثلثه ونصفه وهي لا تزال عاكفة على الحرف وملازمة الكتاب ، فاكتسبت من هذه المطالعة الجادة والقراءة المنتظمة دراية واسعة ، ومعارف جمّة ، مَكّنتها من تصدر مجالس العلم والوعظ والإرشاد ... إلى جانب ما أخذته عن والدها وهو أحد أعلام عصره  ، وقد نشأت في بيت علم وحكمة ..... فنالت بعملها هذا حضوة ومكانة كبيرة في مجتمعها ، وذاع صيتها فصارت أشهر من نار على علم ، وقامت بمهام جسيمة ، وأعمال عظيمة ، وبحكمة بالغة ، وعقل راجح ، وتسيير ناجح ، وضربت بذلك أروع الأمثلة لقومها وبني جيلها عن المرأة العاملة ، الداعية ، الفقيهة التي لا تُقْعِدُهَا أنوثتها عن دورها الاجتماعي الذي ارتضاه لها والدها العالم الفاضل الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم الهاملي .. .... كَتَبَ عن السيدة زينب العديد من الصحفيين والكُتّاب والباحثين وأعجبوا بها إلى حد الانبهار ، لأنهم لم يعتادوا على رؤية امرأة في مجتمع ذكوري تترأس أحد أهم المؤسسات التعلمية الكبرى في عصرها ذاك .. وقد وصفها دي غالان فقال : [ إنها لالة زينب في ثوبها الناصع البياض وسط جمهور عريض من الناس ، كأنها ملكة أو راهبة ، وسرت رعشة في المحتشدين لتحيتها ثم تلاهم سكون مطبق ] ...  كان أعيان العلماء ، وزعماء القبائل ، ووجهاء القوم .. كلهم كانوا ينتظرون أن تتنازل السيدة زينب عن مشيخة الزاوية لابن عمها محمد بن الحاج محمد ، وتَقْعُدَ في كِسْرِ بيتها لا تتحرك ولا تريم ، إلاّ أنها فاجئت الجميع ونَصَّبَت نفسها على رأس مشيخة الزاوية وكل زوايا الطرق الرحمانية التابعة لهذا الصرح العلمي والروحي الذائع الصيت ، والغريب في الأمر أن سلطات الاحتلال الفرنسي حاولت إجبار " لالة زينب " على ترك مشيخة الزاوية بالترغيب تارة ، وبالترهيب تارة أخرى ، وبالتَّوَعُّدِ طورًا ، وبالوعيد طورًا آخر ، وبالدعاية المغرضة أحيانًا ، والحرب النفسية أحيانًا أخرى .. إلا أن محاولاتها كلها باءت بالخسار والبوار .. أما مشايخ العلم في ذلك العصر فقد أفتو بأحقية السيدة زينب في تولي مشيخة الزاوية ومنهم شيخ الأزهر وقاضي الجزائر في عصره الشيخ الحفاف ... وتذكر بعض التقارير الفرنسية أن الكولونيل " كروشار" حاول تصفية السيدة زينب ، ونسف الزاوية وتفجيرها وهدمها بما فيها وعلى مَن فيها ، إلاّ أن الحاكم العام الفرنسي منعه من ذلك مخافة أن ينتقم الأهالي وقبائل المنطقة من الفرنسيين شر انتقام ، لأن للناس ولاء للزاوية في ذلك العصر لا يمكن وصفه ... لم تتزوج السيدة زينب وبقيت عزباء من غير زواج إلى أن توفاها الأجل وهي في عمر 52 ، وقد أسرّت للكاتبة السويسرية [ إيزابيل إبرهاردت ] أنها سخرت حياتها لخدمة الضعفاء ومواساة ذوي الحاجات ، فلا مكان في قلبها للزوج ولا وقت لديها للعواطف ، ما عدا عواطف الشفقة والرحمة اتجاه الإنسانية جمعاء ، وعندما كانت السيدة زينب تشرف على إدارة وتسيير الزاوية القاسمية ، كان يتولى التدريس فيها آنذاك أساتذة جهابذة ، ولم يتأففوا أو يتبرموا من إدارة امرأة للرجال ، واستمرت السيدة الفاضلة تدير شؤون الزاوية باقتدار على الرغم من مضايقات الاحتلال الفرنسي وعنته وظلمه واستبداده ، وحاولت التعامل مع المحتل بتوفيق وتوازن وحكمة ، لكونه كافر فاجر تجب محاربه ، ولكونه حاكم قاهر لا مناص من مداراته ومجاراته لاتقاء شروره وبأسه الشديد ، إلاّ أن هذا التوازن في المعاملة لم يعفها من حقد وظلم الحاكم الفرنسي لبوسعادة آنذاك ... السيدة زينب ابنة محمد بن أبي القاسم الهاملي نموذج للمرأة الشريفة العفيفة الطاهرة العالمة المكافحة في عصر قَلَّ فيه النساء اللواتي يتولين مسؤوليات ثقيلة وبيلة يَنُوءُ بحملها الرجال أولي العزم والحزم ... عاشت السيدة زينب في حياتنا الفانية هذه 52 سنة ، أنفقت أكثر من نصفها في مشيخة الزاوية القاسمية معلمة ، وعالمة ، وواعظة ، ومرشدة  ، و ناصحة ، ومُصلِحَة ، وفقيهة  ... لكن لم يصلنا من نبأها العظيم ، وسيرتها الفاضلة ، وشمائلها الكريمة سوى النزر اليسير ...  ولدت ـ رحمها الله ـ سنة 1852 في قرية الهامل ، وتوفيت في 13 من رمضان 1322 الموافق لـ 12 نوفمبر سنة 1904 نسأل أن يتقبل صالح أعمالها ، وأن يجعل مقامها في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا .
رميلات 

About الجزائر الآن

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

Top