هذه هي حقيقة التيار المدخلي

الوهابيون هم نحلة واحدة ، وهم ليسوا سلفيين كما يدّعون ، ولكنهم وهابيون ينطلقون من فتاوى محمد بن عبدالوهاب الذي انتقده أخوه سليمان بن عبدالوهاب وهو أحد أعلام مكة المكرمة بكتاب عنوانه " فصل الخطاب في الرد على بن عبدالوهاب " وانتقده مفتي مكة المكرمة الشيخ العلاّمة أحمد زيني دحلان بكتاب عنوانه " الدرر السَّنية في الرد على المزاعم الوهابية "  ،  وانتقده شيخه  عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي  بكتاب عنوانه " تجريد سيف الجهاد لمدّعي الاجتهاد " وانتقده شيخه محمد بن سليمان الكردي الشافعي بكتاب عنوانه " الردّ على محمد بن عبد الوهـاب " ... لكنه لم يستمع لأحد وتحالف مع عبدالعزيز بن سعود وتقاسما السلطتين الدينية والدنيوية ، وبقيت السلطة في يد آل سعود إلى يومنا هذا ، وبقيت إمارة الفتوى في يد آل شيخ الذي ينحدر من نسلهم بن عبدالوهاب إلى يومنا هذا ، وتناسلت النحلة الوهابية وتكاثرت فولدت فصيلا جديدا اسمه "المدخلية" نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي أو التيار الجامي نسبة إلى محمد بن أمان الجامي ، هذا التيار يحرم التحزب ، والمظاهرات ، والانتخابات ، والإضرابات ، والترشح للبرلمان ، ويحرم النظم الديمقراطية التي اجتهدت في وضع أسس محكمة للشورى والحكم الراشد ، وراح المداخلة منذ ظهورهم سنة 1991 يسارعون في هوى الحاكم ومولاته حتى ولو كان من شرار الخلق ولا يجوز إبداء النصيحة له في العلن ، وهو فهم سقيم عقيم لمعنى السمع والطاعة لولي الأمر ، والأدهى من ذلك أن المداخلة يعتبرون طاعة ولي الأمر أصلا من أصول العقيدة ، وعدوهم اللدود هم الإخوان ، ثم يأتي في الدرجة الثانية كل منتسب للطرق الصوفية وهي كراهية وبغضاء دأب الوهابيون عليها منذ ظهورهم قبل قرنين ونصف من الزمن ولا زالوا كذلك ، حتى غدا التصوف في نظر الأجيال المعاصرة تهمة شنيعة فضيعة ... ومن ميزات المداخلة أنهم يسارعون في شتم وسب جميع علماء ومشايخ المسلمين الذين لا ينتسبون إلى النحلة الوهابية ، بل لم يسلم من شرورهم حتى أشياخ نجد الوهابيون الذين لا ينتسبون للمداخلة ، و يحرمون جهاد الصهاينة بأي حال من الأحوال ويرون تسلط اليهود على مقدسات المسلمين في فلسطين أمر قدري لا حيلة لنا فيه وأنه مع تفوق اليهود على المسلمين في كل الجوانب المادية فإن جهادهم يعد مهلكة ، ويعتبرون المجاهدين في حركة حماس و الجهاد في فلسطين مغفلين وحمقى ويدعونهم إلى ضرورة قبول الصلح مع الصهاينة كما فعل السادات ، ويستشهدون بصلح الحديبية الذي كان فيه إجحاف ضد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لكنه قَبِلَهُ ، ويصورون الحلف السوري الإيراني بأنه محور شر يريد توريط المسلمين في حرب غير متكافئة ، ويرى المداخلة الوهابيون أنهم هم وحدهم السائرون على منهج السلف الصالح وأن كل من خالفهم فهو مخالف لأهل السنة والجماعة ، ولا يأخذون عن كثير من علماء المسلمين سلفًا وخلفًا كالنووي وابن حزم وابن حجر العسقلاني وغيرهم ..
النحلة الوهابية الجديدة المسماة بالجامية أو المداخلة كان ظهورهم سنة 1991 إبان حرب الخليج الثانية التي اندلعت عقب غزو العراق للكويت ، ولمّا عارض جل علماء المسلمين دخول القوات الأجنبية للسعودية لتحرير الكويت ، ظهر المداخلة بقوة ، وذهبوا إلى أبعد مما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء بصفتها هيئة الفتوى الرسمية التابعة للدولة ، فقد أفتى عبدالعزيز بن باز ، ومحمد بن عثيمين ، وصالح الفوزان ، بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية لأن فيها مصلحة ، إلا أنهم لم يجرموا من أفتى بتحريم الاستعانة بهم ولم ينكروا فتاوى غيرهم من علماء المسلمين ، فجاء الجامية واعتزلوا كلا الطرفين فقالوا بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية ، ووقفوا موقفًا معاديًا ضد كل مَن يحرم دخول القوات الأجنبية إلى السعودية أو ينكر على الدولة ذلك ، وأقاموا لأنفسهم حججا واهية من القرآن والسنة باستدلال خاطئ واستشهاد في غير محله ... وقد وجد الحكام العرب أن المداخلة يسارعون في هوى الحاكم فتساهلوا وأعانوا على نشر هذا الفكر الوهابي المتخبط ، ففي مصر وجد حكامها في المداخلة بديل جميل لهم عن جماعة الإخوان التي طالما صدعت رؤوسهم زهاء ثمانين عاما خلت ، فأرخوا للمداخلة حبلهم على غاربهم فظهر في مصر أسامة القوصي ، ومحمد سعيد رسلان ، وهو أحد أبرز أشياخ المداخلة هناك  وفي لمح البصر أو هو أقرب صار " الرسلان " أشهر من نار على علم ، وصار من الأثرياء الكبار وله فضائية لا يمولها لا الإشهار ولا الدعايات الإعلانية ، وصال الرجل وجال خلال مظاهرات المصريين ضد حكم مبارك ، ومارس دعاية مضللة ضد حكم مرسي فرهب منه وأرغى وأزبد ، ورغب في حكم السيسي وأبرق وأرعد ، وفي الجزائر صار إمام المداخلة فركوس ولزهر سنيقرة وجماعة من المتمشيخيين عددهم اثنا عشر ، وهم من عامة دكاترة الجامعات الذين لا يرقى مستواهم إلى مرتبة كثير من الدكاترة الجزائريين المحققين الفقهاء النبهاء الذين لم يُصنعوا على عين ربيع بن هادي المدخلي في السعودية ، أما فركوس فقد صار  من الأثرياء في لمح البصر أو هو أقل ، وصار مداخلة الجزائر يتبركون بزيارته إذا ما حلوا بالجزائر العاصمة أو ارتحلوا إليها ، وقد ظل فراكسة الجزائر الإثني عشرية يحذرون الجزائريين من التظاهر والاحتجاج غير أن قرابة 22 مليون جزائري احتجوا وتظاهروا في 22 فبراير 2019 رغم فتاوى التحريم التي أبدع الفراكسة في تأصيلها المعوج ، وحقق الجزائريون نصرا مبينا في حراكهم الشعبي وخاب مسعى الفراكسة المداخلة ... التيار المدخلي صار طائفة أو فرقة جديدة نشأت بين المسلمين ، وصار لهم أتباع ومريدون وأشياع في  الخليج العربي واليمن ومصر والأردن والجزائر وليبيا والمغرب والصومال وجيبوتي ولهم أشياخهم الأغنياء والميسورين جدا في كل بلد عربي يظهرون فيه ، واندلعت ين هؤلاء المتمشيخون حرب زعامة وتنافس وتنازع على الظهور إلى درجة الهجران والقطيعة ، ولكل بلد مداخلته الذين لا يتفقون مع مداخلة البلد الآخر في الفتاوى والمسائل الفقهية إلا أن مرجعيتهم واحدة هي ربيع بن هادي المدخلي ، ويكاد أتباعه يجزمون بعصمته عن الخطأ لشدة غلوهم في الرجل وتعلقهم به .
والجزائر كغيرها من بلدان العالم الإسلامي أهلها أهل دين ويقين ، ويُخدعون بكل مَن يخدعهم بالدين ، ولذلك ظهرت في بلادنا جماعة الإخوان وحزبهم معروف هو حركة مجتمع السلم ، وجماعة الجزأرة وشيخهم معروف هو عبدالله جاب الله وبعض أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، وجماعة الوهابيين الذين يمارسون السياسة و لا علاقة لهم بالمداخلة وشيخهم علي بلحاج وهي جماعة تعارض الحاكم ولا تقبل منه صرفا وعدلا حتى يحكم بشرع الله ، ويرون الحاكمية لله من أمور العقيدة ، والجماعة الرابعة جماعة المداخلة وهم أكثر الفرق الوهابية انتشارا وتمددا وشيخهم ومرجعهم فركوس ، وهم في العاصمة وولايات الشرق الجزائري أكثر تواجدا ، ويقل تواجدهم في ولايات الغرب والجنوب الجزائري ،  ويرى المداخلة أن واجب السمع والطاعة لولي الأمور من أمور العقيدة ... وبتكاثر هذه الجماعات تزايد الفتق ، واتسع الرتق بين الجزائريين  ، وبدت أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة عاجزة عن وضع حد لهذه الفرقة وهذا التشتت وهذا الانحراف الواضح في العقيدة والسياسة والسلوك ... وصارت جل كتب هؤلاء القوم ردود متبادلة ورد على رد ، ورد على رد الرد ، وتبادل للسباب والشتائم والتبديع والتفسيق والتكفير والتضليل ... ومنهج الله ورسوله ليس في هذه الجماعات الوهابية ، وصراط الله المستقيم بعيد عن هذه الفرق والنحل التي تكاثرت وتناسلت في ظل غياب علماء أعلام ، والمداخلة ما كان لهم أن يظهروا إلا بعد ما مات العلماء ، وقد قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم : [ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمِ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِن الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاء حَتَّى إِذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَيُسْأَلُوا ، فأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا] فربيع بن هادي المدخلي هو أحد عامة دكاترة الجامعات وهم بالألوف ، ولا يرقى مستواه إلى مرتبة العلماء الذين يمكن أن نجعل منهم مراجع للفتوى ، وما كان يمكن له أن يحظى بهذه الشعبية الواسعة إلا لأنه صادف هوى في نفوس الحكام الذي يبحثون عن شعوب مخدرة ، وما كان لهذا التيار أن ينتشر لولا المال السعودي الباذخ ... والحقيقة الأخرى التي يُراد طمسها عن عمد وسبق إصرار وترصد أن جوهر الإسلام وحقيقته في التصوف الذي يهتم بطهارة الباطن والذكر الجماعي والفردي ويجعل المحبة دين يتقرب به المسلمون إلى الله ... لكن أشياخ الوهابية نجحوا نجاحا باهراً في جعل التصوف تهمة مرادفة لكل عيب وجرم ورجس ودنس يستحي المرء من اقترافه ، وهذا باطل وبهتان عظيم ، ومهما زمجر الباطل قليلا فهو إلى زوال واضمحلال .
رميلات