ads

ads

احدث المواضيع

العنايه بالبشره[Oneright]

طبيب المجله[Oneleft]

معلومات صحية

مطبخ المجلة


التصوف الذي عرفه المسلمون على مدار التاريخ .. تصفية وتربية ، وبناء وتنمية ، ودعوة وجهاد ، وليس انكفاء ، ولا انطواء ، ولا انزواء ، ولا إهمال لمصالح الدنيا ... الصوفية رهبان بالليل ، فرسان بالنهار ... والمسلمون في جنوب شرق آسيا ، وشرق إفريقيا ، دخلوا إلى دين الله أفواجًا من غير قطرة دم أهريقت ، بسبب أنفاس هذا المشرب الصافي ، والمعين الوافي ... وحسن البنا رحمه الله ما كان لخطابه أن يكون آسرًا ومؤثرًا ومهيمنًا على القلوب لو لم يبت الليالي الطوال يتمايل بذكر الله تعالى في حضرة الشيخ الحصافي الشاذلي ...  وجماعة الدعوة والتبليغ ما كان لهم أي حظ في التأثير لولا أنوار وأسرار الذكر الذي كان الشيخ محمد إلياس الكَنْدَهْلَوي يُربّي مريديه عليه ، وبالطرق الصوفية الأربعة ، السهروردية ، والقادرية ، والنقشبندية ، والجشتية .. ولا يزال هذا النَّفَسُ الصوفي ساريًا في الناس وإلى يوم الناس هذا ... والنجاح الإقتصادي والسياسي الذي تشهده تركيا اليوم ، مَن الذي زرع بذوره وتعهدها بالسقاية والرعاية حتى كبرت وأينعت ؟ إنه الشيخ سعيد النورسي الصوفي النقشبندي المعروف لدى الخاص والعام  ...  والأمير عبدالقادر الجزائري الذي خاض 116 معركة ضد 122 جنرال فرنسي في 17 سنة ... ما كان له أن يأتي بمثل ما أتى به من عجائب المواقف ومناسك البطولات لولا مشربه الصوفي ... التصوف طريق ما خاب سالكه... لكن الذي حصل في زماننا هذا أن الجميع يريد أن يهرع للسياسة ، بينما التأثير في واقعنا وتغييره ، ليس من شرطه أن نهرع جميعنا لممارسة السياسة ... السياسة باب خير عظيم لمن صدقت نيته ، وصحت عزيمته ، وليت الذين غرفوا من مشرب التصوف أن يمارسوا السياسة ... والتأثير في الواقع لا يؤتى من باب السياسة فقط ... التأثير في الواقع أن يثبت كل منّا فيما أقامه الله فيه ، فيقوم بدوره بإخلاص ، وإتقان ، وحزم ، وعزم ... والسياسة لا تصلح إلا برجال تربوا في حلقات الذكر وبين سواري المساجد ... السياسة لا تصلح إلا برجال علماء ، أتقياء ، أنقياء ، أطهار ، أخيار ، قد صفت صدورهم من الأغيار ، وتطهرت قلوبهم من الأقذار ... ولذلك ما دخل الصوفية ميدانًا من ميادين الدين والحياة إلا حققوا فيه نجاحات باهرة آسرة لأنهم رجال تربوا في حلقات الذكر ...لكن معضلتنا التي نواجهها في عصرنا اليوم أن النفوس كبرت على التزكية ، واستعصت على التربية ، وطغى الإعجاب بالرأي ، وهامت النفوس بالأهواء ... وما عادت تتقبل النقد ... كل من يتشيع لجماعة ، أو ينخرط في حزب ، أو يتعلق بمذهب ، أويتبع ملة أو نحلة ما... يرى أنها هي عين الصواب الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ... النفوس غير مهيئة للنقد ... والمؤمن يبدأ بنفسه ، وأنا أزعم أنني أنتمي لهذا المشرب الصوفي ، لكن لي عليه تحفظات وانتقادات ، أولها أن كثير ممن يتكلمون باسم الصوفية ، ويتولون التربية والتزكية ، أفئدتهم خواء هواء من هذا العلم الغزير الكبير ... التصوف علم تخصصي لا ساحل له ... وساحة الصوفية والمتصوفة ملآى بالعلماء .. لكن العلماء العاملون الذين يُقتدى بهم في سلوكهم ، هم الذين تَفتَقدُهُم ميدان التربية والتزكية ... فاستغل الفراغ قوم آخرون أساؤوا للمنهج الصوفي أكثر مما أحسنوا إليه ... ثانيًا يزعم الوهابية أن الصوفية فرقة ضالة ، إن كان الأمر كما يقولون ، فإن كل قياساتهم ضالة ومنحرفة وباطلة ، لأنه لا يمكن لأحد أن يروي حديثًا من أحاديث سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم دون أن يمر في سلسلة السند بأشعري أو ماتوريدي أو متصوف .. وحتى في روايات القرآن السبع ، أو العشر ، أو الأربعة عشر ، لا يمكن لأحد أن يروي قراءة من القراءات دون أن يمر في سندها على صوفي ، أو ماتوريدي ، أو أشعري ... وكل الحركات الإسلامية التي ظهرت على مدار التاريخ ، كان نجاحها مستمد من المعين الصوفي الصافي ...  لكن لماذا زمجر الوهابية ، وعلا صوتهم ، وطغى منهجهم ، حتى غطى حقائق الصوفية والتصوف بآلة دعائية هجومية لا تكاد تفتر بليل أو نهار ... دعاية تكاد تقنع الجدار ، أن الصوفية فرقة ضالة .. دعاية يتولى كبرها علماء محسوبون على هيئات شرعية كبرى ، ويتولى كبرها علماء في حركات إسلامية واسعة الانتشار ... دعاية مدعومة بترسانة من فضائيات القبح والشر ..؟ الجواب على هذا السؤال أن هذا " باطل " ، والباطل وإن طال قليلا فإنه إلى زوال ، والباطل لا يظهر على الحق إلا إذا تخاذل أهل الحق عن نُصرة الحق ... المعركة بين الصوفية والوهابية هي خصومة مصطنعة لإلهاء الصوفية بالجدل والشغب واللغب عن القيام بواجبهم اتجاه هذا الطريق الذي لا طريق غيره ينقذ الأمة من خذلانها وتقاعسها ونهضتها .. فلا يمكن لأمة أن تنهض من كبوتها من غير سلوك أخلاقي راق تتشرّبه نفوسهم ... ثالثا من أولويات إصلاح ساحة التصوف أن يكف أصحاب هذا المشرب الصوفي ألسنتهم على كل مشاغب ولاغب فلا يشغلوا أنفسهم بالفعل ، وردة الفعل ، والرد ، والرد على الرد ... إلا بشكل يسير ، مقتصد ، ومحكم ، وعاقل ، ومتزن .. نحن بحاجة إلى علماء في التصوف ، ليس العلم النظري المجرد ، بل العلم المعرفي الواسع ... نحتاج إلى علماء ارتقوا إلى مرتبة العارفين بالله .. نحتاج إلى الذين تنفعنا ألحاظهم ، قبل ألفاظهم .. نحتاج إلى الذين ينهضنا حالهم ، قبل أن تنهضنا أقوالهم ... هؤلاء هم الذين تحتاجهم ميدان التربية والتزكية التي يتحدث عنها الصوفية والمنتسبون إلى هذا المنهج الرباني النوراني .. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن الأمة تنهض بالوهابية وحدهم وتلغي كل المسلمين ، أو أنها تنهض بالإخوان وحدهم وهم قريبون من جميع المذاهب والطوائف ، أو لا يمكن أن تنهض الأمة سوى بالصوفية وحدهم وهم أهل الإسلام الوسطي الصادق الذي لا يكفر أحدًا من المسلمين ... الكل يريد أن يحتكر الشمولية في تغيير الواقع ، وهذا مرض في النفوس يحتاج إلى تزكية ، والتزكية مسلكها ومشربها علم التصوف ... نحتاج إلى مسلمين يرتقون بأرواحهم إلى مقامات اليقين ، وفي الآن ذاته يتفاعلون مع واقعهم بسلوك المسلم العارف ، العالم ، الذكي ، الفطن ... نحن في عصر يكثر فيه الاندفاع ويقل فيه التروي نتيجة عدم إعمال العقل قبل الفعل ... بينما الاضطراب الحاصل في مجتمعاتنا يتطلب منّا رقابة ذاتية لكل كلمة نقولها ، لكل فعل نجترحه ... يتطلب منّا صبر وتروي وتأني ... يتطلب منّا طول تفكير وتقدير في المقاصد والمآلات ... وأن نجعل لكل شيء حساب ، وميزان ، ومقياس ، ومعيار... على الصوفية أن يُفَعّلوا علم التزكية ... عليهم أن يُدرّسوا أبناءنا وبناتنا الحكم العطائية ، وإحياء علوم الدين ، والبرهان المؤيد للشيخ الرفاعي ، وكتب عبدالوهاب الشعراني ، وكتب الإمام أحمد زروق ، وكتب الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم ... على الصوفية أن يحيوا زواياهم ويبعثوها من جديد بعلوم التزكية ... فالتصوف علم قبل أن يكون سلوك ... على الصوفية أن يذروا الخائضين في خوضهم ، ويبحثوا عن الله في قلوبهم بالذكر ، وكثرة الذكر ، وحلقات الذكر ... فوالله ما صلاح الحال والمآل إلا بكثرة الذكر ... قد يقول قائل هذه سلبية وانطواء وانزواء ، فإن هرع الكل للذكر فمن للسياسة إذن ؟ نقول !! وهل تصلح السياسة بغير نفوس زكية تَربّت في حلقات الذكر على الإيمان والإسلام والإحسان ؟ !!!...
رميلات

About الجزائر الآن

This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم

Top