منذ أيام قليلة كتبت عن التعليم عند الألمان ، واليوم طابت نفسي للكتابة عن التعليم في اليابان ، ولمّا عزمت على ذلك صادفني مقطع فيديو من حصة يقدمها ويُعدها الأستاذ أحمد الشقيري في آم بي سي ، شاهدته إلى نهايته ثم توقفت عن المشاهدة ووضعت أصابعي على لوحة المفاتيح لأبدأ المقال بسؤال ، ألا يمكن للجزائر أن تخطط لبناء مدرسة ناجحة ناجعة تستمد مقومات نجاحها من المنهج الياباني أو المقرر الألماني ، ما دمنا عاجزين عن بناء منظومة تربوية متينة رصينة بأيدينا ؟ التقليد والمحاكاة في الخير ليس عيبا نُذم به ، بل هو مسلك من مسالك الرشد والفضيلة وصدق العزيمة ، فإلى متى نضل عاجزين عن التكيف والتأقلم مع الابتكارات الحديثة للعلم والتكنولوجيا ؟ إلى متى نظل عاجزين عن تشخيص مكامن القصور والضعف في منظومتنا التربوية ، وقد قال العرب قديما " معرفة الداء نصف الدواء " ؟ ألم تكن بداية نهضة اليابان والألمان من المدرسة ؟ ... مناهج التعليم في اليابان كأنها لعب ، واللعب كأنه تعليم ، وهو ما جعل المدارس أحب للتلامذة من بيوتهم .
في اليابان يتعلم المتمدرسون من السنة الأولى إلى السادسة ابتدائى مادة إجبارية إسمها " الطريق إلى الأخلاق " يتعلم الأطفال من خلالها الشمائل الحسنة كلها ، والأخلاق الراقية جميعها ، وفي كل الأحوال والأقوال ، وفي كل زمان ومكان ، وفي جميع مراحل العمر ... ولذلك فإن اليابانيين يستغربون مساوئ الأخلاق ويشمئزون ويتقززون وينفرون ممن لا خلاق ، لأن تنشأتهم على الفضيلة انغرست في نفوسهم صغارا فشبوا عليها وشابوا ... في اليابان لا يوجد عمال نظافة في المدارس ، الأطفال اليابانيون هم الذين يقومون بتنظف أقسامهم ، وأفنية مدارسهم ، وساحات لعبهم ، لمدة ربع ساعة كل يوم بالتعاون مع المعلمين الذين لا يأنفون من تنظيف المراحيض مع الأطفال ، ولا يخجلون من المكنسة والمنشفة ، ولعل هذا ما خَلَقَ لليابانيين جيل متعلم ومتواضع وحريص على النظافة ... في اليابان لا يرسب أي تلميذ في مرحلتي التعليم الإبتدائي والمتوسط ، لأن الهدف المرسوم بالمسطرة والقلم خلال هذه المرحلة المبكرة من المدرسة ليس التعليم وحده ، بل التربية والأخلاق وتهذيب السلوك وإصلاح عيوب النفوس وبناء الشخصية السوية التي ترى الفوضى عيبا ، والغش دناءة ، والكذب رذيلة ، والحمق والطيش نقصان عقل ... اليابانيون فهموا معنى الحضارة ، التي لا تعني مظاهر الترف المبثوثة في كل مكان ، بل الأخلاق هي الحضارة ، أما المكانة الإجتماعية للمعلم في اليابان فهي فوق مكانة الوزراء والولاة والقضاة عندنا ... المعلم عندهم ترمقه العيون بالوقار ، وتلحظه بالتقدير والإحترام ، ومرتبات المعلمين هناك تفوق مرتبات الوزراء ولذلك يتنافس المتافسون على هذه الوظيفة كما يتنافس المتنافسون عندنا على البرلمان لنيل راتبه المغري ومزياه الخرافية بأهون مجهود ... وهناك يلبس " بوخنونة " بدلة كلاسية وربطة عنق ، ويرفع يديه مرتين ، الأولى في الخريف ، والثانية في الربيع ، ويتقاضى أربعمائة ألف دينار في آخر الشهر ، ولذلك صار الكل عندنا يمارس السياسة ، ويتكلم في السياسة ، ويفهم في السياسة ، عساه أن يكون يوما ما عضو في مجلس الشعب ، أما هم فقد صار الكل عندهم على خُلق عال ليحضى بمهنة المعلم المرموقة في مدارس اليابان التي لا يحصل عليها إلا " المتخلقون " وبعد اجتياز اختبارات كتابية عسيرة ، وامتحانات شفوية شاقة ، لأن التنافس على وظيفة " المعلم " شديد جداً ... في اليابان رفعوا مكانة المعلم ، وقدر المعلم ، فارتفع معنى التعليم في نفوسهم ، وكبر معنى مهمة التَّعّلُم في صدورهم ، فصارت المدرسة مشتلة تنتج رجال الحضارة ونساءها الجديرين بها ، أما نحن فإننا نريد الحضارة من غير رجال ولا نساء تعلموها ورضعوا لبانها في مدارسنا ، وهذا هو الفرق الشاسع ، والبون الواسع بيننا وبينهم ...
رميلات
احدث المواضيع
العنايه بالبشره[Oneright]
طبيب المجله[Oneleft]
معلومات صحية
مطبخ المجلة
Home
Unlabelled
الفرق بيننا وبين اليابان
Tagged with:
About الجزائر الآن
This is a short description in the author block about the author. You edit it by entering text in the "Biographical Info" field in the user admin panel.
مشاركة مميزة
هذا هو البرلمان الذي نريده أن يكون!!!!
من المفترض أن يكون أعضاء البرلمان من أفضل النخب الثقافية والعلمية والسياسية في البلاد … من المفترض أن لا يدخل تحت قبة البرلمان سوى الراسخون...